قمت بكتابة هذه المقالة لموقع (27 ليلة) والذي كانت فكرته من الصديق (خالد حوراني) حيث تكون هناك مقالة لكل ليلة من ليالي رمضان وأحببت أن أشارككم بها هنا أيضا بعد انقضاء رمضان.
عندما تجتمع الحياة الإلكترونية مع التكنولوجيا تصبح النتيجة تحت الصفر وهذا ما غيّر طبيعة الحياة الاجتماعية على الأقل في العشر سنوات الماضية.
فلنعد جميعا بفكرنا إلى ما يقارب العشر سنوات أو أكثر قليلا وتحديدا في بدايات انتشار الهاتف الجوال فتجد الجلسة الحلوة نفسها بين الشلة ولكن الكل لاهٍ (مشغول) بجهازه (المحمول) بقراءة الرسائل (SMS) الخاصة بجهاز صديقه وربما يقوم بإرسالها لنفسه مع استكشاف آخر النغمات في الجهاز العجيب.
تطوّر الوضع بعد ذلك لمراسلة مقاطع البلوتوث كما تعارف على تسميتها، فالواحد يقول لصاحبه (هل شاهدت هذا المقطع) والثاني يجيب (أرسل لي) ومع التطور أصبح الجميع يحضر ومعه جهازه (المحمول) لاستعراض رسائل البريد الإلكتروني ومن ثمّ مع التنوّع في موديلات الهواتف أصبح الكل يتباهى بنوع جهازه وبالتطبيقات التي لديه والآخر يقوم بالمراسلة عبر تطبيق المراسلة عبر جهاز البلاك بيري ومؤخرا عبر تطبيق (الواتس أب)!
الكل لاهٍ بحبيبه الإلكتروني (المحمول) وإن كانوا كلهم في نفس المكان الفيزيائي مجتمعين إلا أنّ كلّ واحد منهم يعيش في عالمه الخاص وإن أرادوا ممارسة الحياة الاجتماعية ربما قاموا بلعب الألعاب الإلكترونية مثل (Play Station) أو بالتراسل عبر الشبكات الاجتماعية، فكلّ واحد منهم أصبح له عالمه الخاص وربما اهتمامات مختلفة لذا لم يعد هناك استمتاع بهذه الجلسات.
هذا ما جعلني أنأى بنفسي عن الجلسات والاجتماعات التي أصبحت بلا جدوى، فلقد أصابت الجميع عدوى المبرمجين الذين أسمّيهم بـ"غير اجتماعيين" فربما كان ناقل العدوى هو الجهاز الإلكتروني حتى في رحلات البراري أصبح بعضهم يعتذر لأن هذه الأماكن إما لا يصلها إرسال الهواتف أو على الأقل لا توجد بها تغطية إنترنت.
أذكر عندما كنت في سيريلانكا وكنت في أغلب الأوقات مع سائق خاص يقوم بالتجوال بي في الأماكن والمدن السياحية والذي كان يعتمد في مصدر عمله على ذلك الهاتف الذي يبقيه على اتصال مع زبائنه، ومع ذلك وفي كل مرة يرن فيها الهاتف ما زال (سينهال) يتفاجأ وكأنّه نسي بأنّه يملك هذا الجهاز ويستخدمه لثوانٍ ومن ثمّ يعيده لجيبه دون أن يتسلى بالضغط على أزراره المهترئة لقدم الجهاز والذي يستخدمه فقط كوسيلة للاتصال بل هو مصدر دخله الأساسي.
كما هو الحال مع مدير المشاريع (بول) الأسترالي الذي يدير العشرات من مدراء المشاريع والذين يشرفون على أكثر من (6 آلاف عامل) موزعين على مدينة الرياض والذي يتصرّف كتصرف (سينهال)؛ وبالطبع عدد الاتصالات التي ترده أقل من تلك التي تصل لطالب في المدرسة والمفروض أن يكون هاتفه فقط لإبقائه على اتصال مع عائلته في حال الطوارئ!
مازال المشهد يتكرر؛ إذ أرى عائلة عربية في بهو الفندق في يومهم الأول في ذلك البلد الذي سافروا إليه للسياحة وكلّ منهم يمسك حبيبه الإلكتروني، فالأم مشغولة بجهاز البلاك بيري وربّ الأسرة يتفقد بريده على المحمول والطفل يلعب بجهاز اللعب المحمول (PSP) والمراهقة تضع سماعات جهاز (iPod)، فهل هذا هو هدف السياحة؟
عندما أسافر للسياحة لا أحمل معي أيّ جهاز سوى هاتفي وآلة التصوير مع أنّ مصدر رزقي هو العمل على الكمبيوتر ولكني أحاول أن أفصل ما بين حياتي السياحية وحياتي المهنية أو عن حياة الانشغال الزائفة بالتكنولوجيا.
حاولوا أن تسنّوا قوانين مثل عدم مسك أي جهاز إلكتروني أثناء الجلوس مع العائلة أو في اجتماعاتكم مع الشلة وبالتأكيد من المفروض أن تصبح هذه الأجهزة من المحرمات في العطل والسفرات السياحية.
الآن نحن في شهر رمضان وقد وجدت من اعتزل الشبكات الاجتماعية لأنّه يعي تماما بأنّها من الملهيات التي تبعده عن استغلال الشهر الفضيل بالشكل المناسب، وإن كان الفضول يقتله ويحاول أن يسترق بعض النظرات على التطبيقات التي تبقيه على اتصال مع عالمه الشبكي.
أنا وللأسف بدأت بكتابة هذه المقالة في الدور الثالث من الحرم المكي عندما راودني شيطاني بأن أقوم بعمل (Check In) لموقعي بالحرم المكي وأنا بانتظار صلاة التراويح والتي استرقت فيها النظر للمهام التي لديّ وقرأت بريدي الإلكتروني وآخر الإخطارات في تطبيق (تويتر) و(فيس بوك) بدلا من استغلال الوقت في الاستغفار والدعاء، لذا قررتُ في المرات القادمة -إن شاء الرحمن- أن يكون الهاتف الذكي على الأقل من المحرّمات في زيارتي للحرمين الشريفين.
دمتم بودّ